المياه البيضاء مرض موجود منذ نشأة البَشَر، وهو يؤدي إلى إعتام عدسة العين الشفافة في أصلها، فقد سجّلت الوثائق التاريخية أول حالة للإصابة بهذا المرض عندما تم تحليل عينات من مومياء فرعونية تنتمي إلى زمن الأسرة الخامسة (خلال الفترة ما بين 2457 و2467 سنةً قبل الميلاد)، وتأكد الباحثون من أنها تعود لجسم شخص مصاب بالمياه البيضاء.
عالَج علماء الطب والجراحة الأقدمون ذلك المرض عبر التدخلات الجراحية مُستخدمين أدوات ووسائل عدّة، واستمر تطور تقنيات علاج المياه البيضاء لكبار السن على مر السنين حتى توصلوا إلى التقنيات الحديثة المُستخدمة اليوم والتي يُشير إليها
الدكتور إيهاب عبد العزيز - استشارى
أمراض العيون والشبكية وزميل كلية الجراحين الملكية (جلاسجو)- خلال الفيديو.
الدكتور إيهاب عبد العزيز: الموجات فوق الصوتية أحدث تقنيات علاج المياه البيضاء لكبار السن
بدايةً، أشار الدكتور إيهاب إلى ضرورة
علاج المياه البيضاء لدى الأطفال في أسرع وقت، لأنها قد تُسبب ضعف نظر دائم لديهم، بينما أوصى بعلاج المياه البيضاء لكبار السن إذا تَسببت في إعاقة الرؤية وأداء المهام الحياتية.
كما نوه إلى نُدرة الإصابة بالمياه الزرقاء كأحد مضاعفات المياه البيضاء، ففي القليل من الحالات مع إهمال علاج المياه البيضاء لسنوات طويلة تُغلق زاوية تصريف العين ويرتفع الضغط الداخلي للعين ما يؤدي إلى الإصابة ب
المياه الزرقاء أو الجلوكوما.
الموجات فوق الصوتية هي أحدث تقنيات علاج المياه البيضاء لكبار السن، حيث يُسلط الطبيب الموجات فوق الصوتية على عدسة العين المصابة من أجل تفتيتها عبر شق صغير لا يحتاج إلى غرز جراحية، ثم يزرع عدسة جديدة مطوية إما أحادية البؤرة أو متعددة البؤر.
يعتمد اختيار نوع العدسة على رؤية الطبيب وحالة المريض الصحية، حيث لا تناسب العدسة متعددة البؤر جميع الحالات رغم ما يميزها من عدم الحاجة إلى ارتداء نظارة للقراءة بعد العملية، وعلى الجانب الآخر تُعد العدسة أحادية البؤرة الأكثر استخداماً على الرغم من أنها تتطلب ارتداء المريض لنظارة قراءة بعد العملية.
وبعد الانتهاء من حديث الدكتور إيهاب عبد العزيز استشارى أمراض العيون والشبكية وزميل كلية الجراحين الملكية (جلاسجو)- نتطرق إلى الحديث عن مراحل تطور تقنيات علاج المياه البيضاء لكبار السن على مرالسنين.
مراحل تطور تقنيات علاج المياه البيضاء لكبار السن على مر السنين
تضمنت محطات تطور جراحات المياه البيضاء على مر السنين إسهامات عديدة على يد مجموعة من الجراحين وأطباء العيون، نستعرضها خلال السطور القادمة.
-
حكاية أول جراحة في التاريخ.. أدوات حادة ومضاعفات خطيرة
يرجع تاريخ أول جراحة لعلاج المياه البيضاء إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وقد أُجريت على يد الجرَّاح الهندي سوشروتا سامهيتا (Sushruta Samhita) المُلقب بأبي الجراحة، ومؤلِف أكبر مدونة طبيّة في علم الجراحة وأدواتها.
أُطلق على هذه الجراحة اسم "كاوتشينج" (Couching)، وهو اسم مشتق من لفظٍ فرنسي يَعني "النوم". أجرى سوشروتا الجراحة مُستخدِمًا إبرة حادة ساعدته على اختراق طبقات العين واستخراج العدسة العليلة (المُعتِمة) يدويًا.
لم تكن النتائج مُرضية، فالمريض أكمل بقية حياته دون عدسة في عينيه، إلى جانب أن غياب وسائل التعقيم آنذاك أدى إلى إصابة عدد كبير من الحالات بمضاعفات شديدة الخطورة وصلت إلى حدّ العمى.
-
الجرّاحون يُطوّرون تقنية الكاوتشينج
بحلول القرن السادس قبل الميلاد، تحديدًا عام 1748، طوّر الجرّاح الفرنسي جاك دافيل (Jacques Daviel) تقنية "كاوتشينج" حتى توصل إلى طريقة تستهدف إزالة العدسة المريضة مع الإبقاء على محفظتها الخلفية (الغشاء الرقيق الذي يُغطي عدسة العين).
خلال تلك العملية، صنع دافيل جرحًا يزيد طوله عن 10 ملم على سطح القرنية (الجزء الواقع في مقدمة العين) باستخدام مشرطٍ حاد جدًا، ثم أدخَل إبرة مصقولة (غير حادّة) إلى العين كي يصنع ثقبًا في محفظة العدسة، واستخدَم ملعقة وبعض الأدوات لأجل استخراج العدسة من المحفظة.
أجرى "دافيل" حوالي 206 جراحةً مستخدمًا تلك الطريقة، وقد كانت النتائج غير مُرضية أيضًا، فالمرضى الخاضعين لها أصيبوا بالتهابات في العين، وفقد بعضهم بصره.
-
الإنجليزي "صموئيل" يضع بصمته
شارك الجرَاح الإنجليزي صموئيل شارب (Samuel Sharp) في رحلة تطور جراحات المياه البيضاء على مر السنين في القرن السادس قبل الميلاد، فطوّر من تقنية الجراح دافيل وقرر استئصال كلٍ من العدسة والمحفظة المُحيطة بها بدلًا من استئصال العدسة فقط.
توقّع صموئيل أن تنجح فكرته، لكن الواقِع كان مُغايرًا لتوقعاته تمامًا، فقد تطلبت الجراحة صُنع جرح كبير في العين، وأدى استئصال العدسة والمحفظة الخلفية إلى
انفصال الشبكية عن قاع العين.
والشبكية هي الجزء الموجود في مؤخرة العين والمسؤول الأول والأهم عن عملية الإبصار، لأنها تحتوي على شبكة أعصاب تُرسل الإشارات العصبية إلى المخ ليُترجِمها إلى صورٍ حقيقية يُميزها الإنسان.
-
علماء القرن التاسع عشر يكتشفون أدوية التخدير الموضعي
قبل اكتشاف أي مواد فعالة ذات تأثير مُخدر، خضع المرضى لجراحات
إزالة المياه البيضاء -بمُختلف التقنيات- دون تخدير، لذلك كانوا يشعرون بآلام في أثناء الجراحة ويحاولون "الرَفس" ودفع الطبيب بعيدًا في محاولةٍ منهم لإيقاف خطوات العملية.
وسيطر الأطباء على مرضاهم عبر ربط أيديهم وأرجلهم بالحِبال في أثناء تطبيق خطوات الجراحة، وبحلول القرن التاسع عشر، تم استخدام الكوكايين الموضعي لتخدير الإحساس في العين، الأمر الذي أسهم في الحد من آلام المرضى في أثناء الخضوع للعمليات.
-
ابتكارات جديدة ظهرت بفضل الحرب العالمية الثانية
في أربعينيات القرن التاسع عشر، ابتكر طبيب العيون الإنجليزي هارولد ريدلي (Harold Ridley) عدسات آمنة قابلة للزراعة داخل العين بعد إزالة المياه البيضاء.
وبدأت القصة عندما وَجدَ هارولد فُتات (قطع) صغيرة في عيون قائدي طائرة سبيتفاير (Spitfire)، وهي إحدى الطائرات الحربية البريطانية المُشاركِة في الحرب العالمية الثانية.
وأُصيب الطيارون بتلك الفُتات نتيجة تحطُّم مظلات الطائرات في أثناء الحرب، وقد لاحظ هارولد أن هذه الفُتات لم تتفاعل مع أنسجة عيون الطيّارين، ولم تُسبب لهم التهابات في العين، ومن هنا جاءت الفكرة!
ابتكر الطبيب هارولد أول عدسات قابلة للزراعة داخل عين الإنسان، وصنعها من مادة البولي ميثيل ميثاكريلات (Poly methyl methacrylate)، وقد تم زرعها في عين مريض مصاب بالمياه البيضاء لأول مرة عام 1950.
-
تحسينات لتطوير العدسات الصناعية
لم تَكُن عدسات البولي ميثيل ميثاكريلات جيّدة بالقدر الكافي، فقد كانت عدسات صلبةً بعض الشيء مما اضطر الأطباء إلى صُنع فتحة كبيرة في العين لإدخال تلك العدسة في المكان الصحيح.
وجود مثل تلك العيوب المزعجة دفع العلماء إلى تحسين خصائص العدسات، فاستخدموا موادًا أكثر مرونة في تصنيعها، مثل السيليكون.
-
المزيد من التطوير للحصول على تقنيات أكثر فعالية
بعد ابتكار العدسات الصناعية استمرت مراحل تطور جراحات المياه البيضاء على مر السنين، فصارت تُجرى عبر تقنيات شديدة التطور تسمح بتفتيت عدسة العين العليلة، ومن ثمّ تركيب العدسات الصناعية دون صُنع شق جراحي كبير في العين.
وفي أواخر ستينيات القرن التاسع عشر اِبتَكر الأستاذ الجامعي وطبيب العيون الأمريكي تشارلز كيلمان (Charles Kelman) تقنية تستهدف تفتيت عدسة عين المريض بالاعتماد على الاهتزازات الصادرة من الموجات فوق الصوتية، وقد عُرفت تلك التقنية باسم "استحلاب العدسة" (Phacoemulsification).
وقد أسهمت تلك التقنية في الحد من مضاعفات الجراحة لأن الأطباء لم يحتاجوا إلى صُنع شقوق كبيرة في العين أو استخدام أدوات حادة عند تفتيت العدسة.
كان القرن التاسع عشر من أهم محطات تطور جراحات المياه البيضاء على مر السنين، ففي عام 1986 استطاعت طبيبة العيون والمخترعة الأمريكية باتريشيا باث (Patricia Bath) تطوير جهاز ليزر يُصدر طاقة ضوئية تُفتت عدسات العين المُعتِمة بسهولة دون الحاجة إلى استخدام مشارط أو أدوات حادة، وقد وفّرت تلك التقنية نتائج جيدّة لآلاف المرضى.
التقنيات المعاصرة
استقر الأطباء على تطبيق تقنيتيِ الليزر أو الفاكو لتفتيت عدسات العين الأصلية، ومن ثمّ زراعة
أفضل أنواع العدسات الصناعية (IOL)، مُستعينين بأحدث الميكروسكوبات الجراحية المتطورة التي تُساعدهم على إتمام خطوات العملية بطريقة مُنظمة ودقيقة.
إنَّ الهدف الرئيس من تطوير التقنيات الجراحية هو تقديم أفضل نتائج علاجية للمرضى وحمايتهم من المضاعفات المُحتَملة، وهذا ما حققه الأطباء عبر مُختلف العصور، فقد عَمِلوا على تحسين خطوات جراحة المياه البيضاء، وابتكروا أجهزة متطورة وعدسات مَرنة تُساعد المرضى على استعادة أفضل كفاءة للرؤية.
هل ترغب في
مشاهدة مقاطع فيديو تستعرض المزيد حول
مرض المياه البيضاء؟ اضغط هنا لزيارة صفحات أطباء العيون على
منصتنا الإلكترونية المرئية "ميديكازون"، بيت المعلومة الطبيّة.
اقرا ايضاً
- النظارة بعد عملية المياه البيضاء
- سعر عملية الجسم الزجاجي في العين
- فحص قاع العين لحديثي الولادة