حين يتوقف النفس فجأة، ويصبح الهواء ثقيلًا على الصدر، قد تكون السدة الرئوية هي الجاني الخفي، وتُعد هذه الحالة من أخطر الطوارئ الطبية التي قد تداهم الإنسان دون سابق إنذار وتهدد حياته في دقائق معدودة.
وتكمن خطورة السدة الرئوية في صمتها وسرعتها والحاجة الملحّة لتشخيصها بدقة والتدخل العلاجي الفوري لإنقاذ المريض من مضاعفات قد تكون مميتة.
في هذا المقال، نستعرض ما شرحه الدكتور عمر الكاشف -أستاذ جراحة الأوعية الدموية كلية القصر العيني- حول السدة الرئوية، موضحًا أعراضها وأسبابها وكيفية التشخيص.
ما هي السدة الرئوية؟
السدة الرئوية هي حالة تحدث عندما تنتقل جلطة دموية من أحد أوردة الجسم -غالبًا من أوردة الساق أو الفخذ- إلى الشريان الرئوي، مما يؤدي إلى انسداده جزئيًا أو كليًا، ويمنع الدم من الوصول إلى الرئتين.
ويوضح دكتور عمر الكاشف أن السدة الرئوية تُعد من أخطر مضاعفات الجلطات الوريدية العميقة، بل قد تكون السبب الثالث في الوفاة بعد الجلطة القلبية والسكتة الدماغية.
كيف تحدث السدة الرئوية؟
يشرح دكتور عمر الكاشف آلية حدوث السدة الرئوية على النحو التالي:
- تتكوّن الجلطة في أغلب الحالات داخل أوردة الساق أو الفخذ أو الوريد الحرقفي.
- تنتقل الجلطة عبر الوريد الأجوف السفلي الذي يعبر الحجاب الحاجز.
- تصل إلى القلب الأيمن، ثم تدخل إلى الشريان الرئوي.
- تغلق الجلطة أحد فروع الشريان، مما يمنع الدم من الوصول إلى الرئة.
- يؤدي هذا الانسداد إلى نقص حاد في الأكسجين، وقد يُسبب توقف القلب.
ويشير دكتور عمر الكاشف إلى أن هذا الأمر قد يحدث فجأة وبدون سابق إنذار، ما يجعل التشخيص المبكر وإنقاذ المريض سباقًا مع الزمن.
أعراض السدة الرئوية الحادة
تتفاوت أعراض السدة الرئوية بحسب حجم الجلطة ومكان الانسداد، لكن يوضح دكتور عمر الكاشف أن هناك ثلاث علامات رئيسية يجب الانتباه لها:
- ضيق شديد في التنفس: يظهر بشكل مفاجئ وليس نتيجة حالة مزمنة.
- ألم حاد في الصدر: قد يشبه ألم الذبحة الصدرية، ويزداد مع التنفس.
- كحة مصحوبة بدم: علامة على تضرر أنسجة الرئة.
كما قد يُسمع في بعض الحالات صوت صفير، ويصاحب الحالة هبوط في الدورة الدموية، خاصة عندما يعجز البطين الأيمن عن دفع الدم.
وينبه دكتور عمر الكاشف إلى أنه لا يصح تجاهل أعراض تنفسية حادة عند مريض لديه تاريخ سابق من الجلطات أو قلة الحركة، خصوصًا إذا كانت الأعراض جديدة وحديثة.
كيفية تشخيص السدة الرئوية
يؤكد دكتور عمر الكاشف أن التشخيص الدقيق هو مفتاح التعامل السليم مع هذه الحالة. وتمر عملية التشخيص بعدة خطوات:
- الاشتباه الإكلينيكي: بمجرد ظهور الأعراض الثلاثة السابقة.
- قياس الأوكسجين في الدم: انخفاضه مؤشر مهم على حدوث السدة.
- الإيكو: يُظهر ضعف انقباض في البطين الأيمن نتيجة ارتفاع الضغط في الشريان الرئوي مما يسبب هبوطًا حادًا.
- الأشعة المقطعية بالصبغة: أداة التشخيص الأكثر دقة، لأنها تُظهر مكان الجلطة وتوزيعها في الشرايين الرئوية.
ويشير دكتور الكاشف إلى أن الاعتماد على الأشعة المقطعية أصبح هو المعيار الذهبي حاليًا، بدلاً من الوسائل القديمة التي كانت أقل دقة.
هل السدة الرئوية مميتة؟
يجيب الدكتور عمر أنه للأسف نعم، في بعض الحالات، تكون السدة الرئوية قاتلة خلال دقائق، خصوصًا إذا لم يسعف المريض سريعًا أو كانت الجلطة كبيرة.
لكن في حالات أخرى، إذا وصل المريض إلى المستشفى في الوقت المناسب، وكان التعامل مع الحالة بشكل صحيح من قبل المختصين، فإن نسبة النجاة تكون مرتفعة.
علاج السدة الرئوية
يُوضح دكتور عمر الكاشف أن التعامل مع السدة الرئوية وعلاجها يعتمد بصورة أساسية على سرعة التشخيص وحجم الجلطة وحالة المريض العامة، وتنقسم طرق العلاج إلى مسارين رئيسيين:
أولًا: العلاج الدوائي
وهو الخط الأول لمعظم الحالات ويعتمد على:
تزويد المريض بالأوكسجين: يُستخدم لتعويض النقص الحاد في التروية الدموية للرئتين وتحسين تشبع الأوكسجين في الدم، خاصة إذا كان هناك ضيق تنفس شديد أو انخفاض في نسبة الأوكسجين.
أدوية تحسين وظيفة القلب: تُعطى لمساعدة البطين الأيمن الذي غالبًا ما يكون مرهقًا بسبب الضغط المرتفع في الشريان الرئوي، وتشمل أدوية تحسّن الانقباض وتقلل الحمل الواقع على القلب.
مضادات التجلط: وتُعد الركيزة الأساسية للعلاج وأفضل علاج السدة الرئوية؛ لأنها تعمل على وقف نمو الجلطة الحالية ومنع تكوّن جلطات جديدة، وتشمل الهيبارين الوريدي في الحالات الشديدة أو أدوية السيولة الحديثة في الحالات المستقرة.
ثانيًا: التدخلات المتقدمة
وتجرى للحالات الخطيرة أو غير المستجيبة للأدوية وتتكون من:
فلتر الوريد الأجوف السفلي: يُستخدم لمنع الجلطات القادمة من أوردة الساق أو الحوض من الوصول إلى الرئة، خصوصًا في المرضى الذين لا يمكنهم استخدام أدوية السيولة بسبب مشاكل نزيف أو جراحة حديثة، لكنه لا يُستخدم بشكل روتيني إلا إذا كان هناك مانع طبي واضح لاستخدام الأدوية.
مذيبات الجلطات: تُعطى عن طريق الوريد في وحدة العناية المركزة، وتعمل على تفتيت الجلطة مباشرة ويلجأ الطبيب لها في حالات:
- انهيار الدورة الدموية.
- فشل القلب الأيمن الحاد.
- أو عند وجود خطر كبير على الحياة.
التدخل بالقسطرة أو الجراحة: في بعض الحالات، تزال الجلطة ميكانيكيًا عبر قسطرة تدخل إلى الشريان الرئوي، وفي حالات نادرة أو طارئة يُجري الأطباء جراحة مفتوحة لاستخراج الجلطة إذا لم تنجح الطرق الأخرى.
ويؤكد دكتور عمر الكاشف أن اختيار نوع العلاج يجب أن يكون فرديًا حسب حالة كل مريض، ويُحدده فريق متخصص يضم أطباء القلب والأوعية الدموية والعناية الحرجة والهدف دائمًا هو استعادة تدفق الدم إلى الرئة بأسرع وقت ممكن، مع تقليل خطر تكرار الجلطات أو حدوث مضاعفات خطيرة.
الوقاية من السدة الرئوية
يولي دكتور عمر الكاشف اهتمامًا كبيرًا للوقاية، ويُوجّه نصائح خاصة للسيدات، خصوصًا بعد الحمل والولادة، وهي:
- عدم الجلوس لفترات طويلة دون حركة.
- ارتداء الشرابات الضاغطة لمن يعانين من الدوالي أو لهن تاريخ مرضي.
- المشي المبكر بعد الولادة لمنع التجلطات.
- تجنب السُمنة، خاصة في المراحل المتقدمة من الحمل.
ويؤكد على أهمية استشارة الطبيب المختص في حالة وجود تاريخ وراثي للجلطات، لأم الطبيب يمكن أن يقرر إعطاء أدوية وقائية بطريقة منتظمة وآمنة.
نصيحة دكتور عمرو الكاشف في نهاية حديثه
"رسالتي إلى الجميع، وخصوصًا السيدات بعد الولادة، ألا يستهينوا بأي أعراض تنفسية حادة تظهر فجأة، فلا داعي للخوف، لكن علينا جميعًا أن نكون واعين ومنتبهين، فالسدة الرئوية ليست شائعة جدًا، لكنها قد تكون قاتلة إن لم تُكتشف مبكرًا."
إلى هنا ينتهي حديث الدكتور عمر الكاشف -أستاذ جراحة الأوعية الدموية كلية القصر العيني- حول السدة الرئوية، مؤكدًا أن الوعي السريع بالأعراض والتدخل الطبي المبكر يمكن أن يصنع الفارق بين حياة تُنقذ وخطر لا يُدرك إلا بعد فوات الأوان. ولحجز موعد مع الطبيب يمكنك مراسلتنا الآن.
ميديكازون هي أكبر منصة طبية في مصر والوطن العربي، تجمع نخبة من كبار الأطباء المتميزين في مختلف التخصصات. نسعد بتلقي استفساراتكم عبر التعليقات على منصات التواصل الاجتماعي، ونتعهد بتقديم إجابات دقيقة وموثوقة تراجع من قِبل أطبائنا المتخصصين.
اقراء المزيد عن: تعرف إلى أسباب القدم السكرية وعلاجها
ما الفرق بين الأوردة والشرايين
علامات القدم السكري